سورة مريم - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (مريم)


        


{فَاتَّخَذَتْ} فضربت {مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا} قال ابن عباس رضي الله عنهما: سترا.
وقيل: جلست وراء جدار. وقال مقاتل: وراء جبل.
وقال عكرمة: إن مريم كانت تكون في المسجد فإذا حاضت تحولت إلى بيت خالتها، حتى إذا طهرت عادت إلى المسجد، فبينما هي تغتسل من المحيض قد تجردت، إذ عرض لها جبريل في صورة شاب أمرد وضيء الوجه جعد الشعر سوي الخلق، فذلك قوله: {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا} يعني: جبريل عليه السلام {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} وقيل: المراد من الروح عيسى عليه السلام، جاء في صورة بشر فحملت به والأول أصح فلما رأت مريم جبريل يقصد نحوها نادته من بعيد فـ: {قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا} مؤمنا مطيعا.
فإن قيل إنما يستعاذ من الفاجر، فكيف قالت: إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا؟
قيل: هذا كقول القائل: إن كنت مؤمنا فلا تظلمني. أي: ينبغي أن يكون إيمانك مانعا من الظلم وكذلك هاهنا.
معناه: وينبغي أن تكون تقواك مانعا لك من الفجور. {قَالَ} لها جبريل: {إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأهَبَ لَكِ} قرأ نافع وأهل البصرة: {ليهب لك} بالياء، أي: ليهب لك ربك، وقرأ الآخرون: {لأهب لك} أسند الفعل إلى الرسول، وإن كانت الهبة من الله تعالى، لأنه أرسل به.
{غُلامًا زَكِيًّا} ولدا صالحا طاهرا من الذنوب. {قَالَتْ} مريم {أَنَّى} من أين {يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ} لم يقربني زوج {وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا} فاجرة؟ تريد أن الولد يكون من نكاح أو سفاح، ولم يكن هنا واحد منهما.


{قَالَ} جبريل: {كَذَلِكِ} قيل: معناه كما قلت يا مريم ولكن، {قَالَ رَبُّكَ} وقيل هكذا قال ربك، {هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ} أي: خلق ولد بلا أب، {وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً} علامة، {لِلنَّاسِ} ودلالة على قدرتنا، {وَرَحْمَةً مِنَّا} ونعمة لمن تبعه على دينه، {وَكَانَ} ذلك، {أَمْرًا مَقْضِيًّا} محكوما مفروغا عنه لا يرد ولا يبدل. قوله عز وجل: {فَحَمَلَتْهُ} قيل: إن جبريل رفع درعها فنفخ في جيبه فحملت حين لبست.
وقيل: مد جيب درعها بأصبعه ثم نفخ في الجيب.
وقيل: نفخ في كم قميصها. وقيل: في فيها.
وقيل: نفخ جبريل عليه السلام نفخا من بعيد فوصل الريح إليها فحملت بعيسى في الحال {فَانْتَبَذَتْ بِهِ} أي تنحت بالحمل وانفردت، {مَكَانًا قَصِيًّا} بعيدا من أهلها.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: أقصى الوادي، وهو وادي بيت لحم، فرارا من قومها أن يعيروها بولادتها من غير زوج.
واختلفوا في مدة حملها ووقت وضعها؛ فقال ابن عباس رضي الله عنهما: كان الحمل والولادة في ساعة واحدة.
وقيل: كان مدة حملها تسعة أشهر كحمل سائر النساء.
وقيل: كان مدة حملها ثمانية أشهر، وكان ذلك آية أخرى لأنه لا يعيش ولد يولد لثمانية أشهر، وولد عيسى لهذه المدة وعاش.
وقيل: ولدت لستة أشهر.
وقال مقاتل بن سليمان: حملته مريم في ساعة، وصور في ساعة، ووضعته في ساعة حين زالت الشمس من يومها، وهي بنت عشر سنين وكانت قد حاضت حيضتين قبل أن تحمل بعيسى.


{فَأَجَاءَهَا} أي ألجأها وجاء بها، {الْمَخَاضُ} وهو وجع الولادة، {إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ} وكانت نخلة يابسة في الصحراء، في شدة الشتاء، لم يكن لها سعف.
وقيل: التجأت إليها لتستند إليها وتتمسك بها على وجع الولادة، {قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا} تمنت الموت استحياء من الناس وخوف الفضيحة، {وَكُنْتُ نَسْيًا} قرأ حمزة وحفص {نَسْيًا} بفتح النون، والباقون بكسرها وهما لغتان، مثل: الوَتر والوِتر، والجسر والجَسر، وهو الشيء المنسي والنسي في اللغة: كل ما ألقي ونسي ولم يذكر لحقارته.
{مَنْسِيًّا} أي: متروكا قال قتادة: شيء لا يعرف ولا يذكر. قال عكرمة والضحاك ومجاهد: جيفة ملقاة. وقيل: تعني لم أخلق.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8